تلوث مياه البحر مدينة بانياس

أردت أولاً أن أوضح للجميع سبب إختيار مدينة بانياس الساحلية الواقعة في محافظة طرطوس السورية عنوان لهذا التحقيق البيئي الأول من نوعه في سوريا لقد إخترنا مدينة بانياس لأنها مثال يحتذى على معظم المدن السورية و لكنها الأولى بلا منازع في سوريا و التي أخذت المرتبة السادسة حسب التصنيف العالمي للتلوث في المدن الصناعية الصغيرة أولاً سأتكلم قليلاً عن مدينة بانياس فهي من المدن الصناعية الهامة في سوريا و التي شهدت تطوراً صناعياً و إقتصادياً و عمرانياً و سياحياً هائلاً في السنوات العشر الأخيرة فهي من الناحية الصناعية تضم العديد من المنشآت الصناعية الهامة و لعل أبرزها مصفاة بانياس لتكرير النفط و هي واحدة من إثنين في سورية تعتبر من المصافي الأضخم على مستوى الشرق الأوسط و تعد هذه المصفاة هي الشريان الإقتصادي لمدينة بانياس و محافظة طرطوس بشكل عام و يلحق بهذه المصفاة بعض المنشآت الهامة منها شركة ساد كوب لتوزيع النفط للسفن و الناقلات البحرية و شركة توزيع الغاز و المحروقات التي توزع الغاز لجميع أنحاء سورية و التصدير للخارج و بعض المنشآت الأخرى في مجال النفط و هذه المنشآت النفطية تقع جميعا في الناحية الشمالية من مدينة بانياس أما من ناحية الجنوب فيوجد أحدى أهم و أضخم محطات توليد الطاقة الكهربائية في سورية و هي محطة بانياس لتوليد الطاقة الكهربائية و التي تندرج تحت المحطات الحرارية أي التي تعمل على النفط و هذه المحطة هي من المحطات المساهمة في الإتفاقية الثلاثية التي ضمت كل من سورية و لبنان و الأردن للتعاون في المجال الطاقة الكهربائية
و هي كما ذكرنا من أضخم المحطات الموجودة في سوريا و تقع في الناحية الجنوبية من مركز مدينة بانياس و في الجنوب أيضاً و لكن بعيداً قليلاً يوجد أحد أهم و أضخم المعامل لتصنيع الإسمنت في سوريا و الواقع في قرية حصين البحر و الذي يبعد حوالي 30كم عن مركز مدينة بانياس و الذي لا يؤثر كثيراً على مدينة بانياس لكن تأثيره يضر العديد من القرى الساحلية و العديد من المجمعات السياحية و لعل أهمها مجمع الرمال الذهبية الذي يعد الشريان السياحي الأول في طرطوس .
هكذا قدمنا لكم نبذة عن مدينة بانياس و عن بعض المشاريع الصناعية الموجودة في مدينة بانياس أما الآن سنبدأ بالحديث عن تأثير هذه المنشآت و ضررها البيئي و سنبدأ بمصفاة بانياس
مصفاة بانياس : تعد هذه المصفاة و هذه الشركة صاحبة التأثير الأكبر و الضرر البيئي و الصحي الأكبر في مدينة بانياس فإن هذه الشركة تضم الآلاف من العمال الذين يعملون في ظروف صحية صعبة و سيئة إلى أبعد الحدود و هذا ما ظهر عندما نزلنا و سألنا مجموعة كبيرة من عمال مصفاة بانياس و الذين كانوا يعانون آلام حادة في الصدر و تتراوح نسبتهم بين 73% إلى 80% و لاحظنا أيضاً إرتفاع ملحوظ في نسبة السرطان بين العمال كسرطان الرئة و سرطان الدم اللوكيميا و سرطان الجلد و تتراوح نسبة الإصابة حوالي 24.6% إلى 26.4% و هذه نسبة كبيرة و لاحظنا أن معظم الإصابات هي من العمال العاديين في عدة أقسام كالهدرجات و غيرها من الأقسام التي يتعرض فيها العمال إلى نسب كبيرة من الغازات الضارة و المؤذية كان هذا الضرر في عمال مصفاة بانياس فقط أما بالنسبة للأحياء المحيطة بها لا حظنا وجود إرتفاع هائل في أعداد مرضى السرطان و تأتي في المرتبة الأولى حي الكولونية و هو أحد المساكن التابعة لعمال شركة مصفاة بانياس و تتراوح أعداد المصابين و المعرضين للإصابة بالسرطان أو الأمراض التنفسية 42% و تتراوح الإصابة بين سرطان الرئة و الربو و التحسس الشديد و المزمن و تلي هذه المنطقة بعض القرى مثل حريصون و العنازة و بستان الحمام و إبتلة و غيرها من القرى المحيطة بمصفاة بانياس و الواقعة حول الشركة بقطر يبلغ ما بين 7كم إلى 12كم و لا حظنا إزدياد ملحوظ في الإصابة بالسرطان بين سكان مدينة بانياس عامة بالإضافة إلى بعض القرى القريبة و المحيطة حيث أنه لا وجود للإحصاءات الدقيقة بهذا الموضوع و هذا التقصير ناجم عن وزارة الصحة و هي المسؤولة عن إجراء هكذا إحصاءات صحية و لكن و بعد أن أجرينا إحصاءً محدوداً و صغيراً تبين لدينا وجود نسبة تتراوح ما بين
13% إلى 17% و هذه نسبة هائلة .
أما سبب هذه الطفرة في الغازات الناجمة عن هذه المنشأة الصناعية و هي أنها تعمل على مشتقات النفط و الفيول و عدم وجود فلاتر خاصة كما هو موجود في أي منشأة صناعية في العالم و وجود إهمال من الجهات المختصة و أبرزها وزارة البيئة و وزارة الصحة و هنا يكمن جوهر الفساد الحاصل في هذه الشركة فمنذ أكثر من 6 سنوات و نحن نسمع أن هناك مشروع جديد يقتضي بجعل هذه الشركة تعمل على الغاز الذي له تأثير بيئي محدود و قليل أو نسمع بوجود خطة لإضافة مجموعة من الفلاتر الخاصة ثم نجد مجموعة من العمال الأجانب من رومانيا و من إيران و من التشيك لفترات طويلة يعملون في المصفاة و لكننا لم نجد تغييراً إنما التغيير الوحيد هو الزيادة في كمية الإنبعاثات الموجودة و المزيد من الروائح الكريهة و السامة و التغيير الآخر هو أننا نرى كل شهرين منظراً جديداً لهذه الشركة حيث يتم صرف مبالغ طائلة لتزيين و تطريز و زيادة مساحة هذه الشركة و هذا نوع من أنواع الفساد و رغم أن هذا الموضوع بعيد عن موضوعنا الأساسي و لكننا نجد أنهم يبنون جدراناً من الرخام الغالي و بعد أقل من شهرين نجد أنهم يهدونه و يبدءون بتشييد جدار أوسع و بمادةٍ أغلى فيا حبذا نجد هذه المبالغ الطائلة التي تصرف على الشكليات لعلها تصرف على إضافة أجهزة خاصة علها تقلل الأضرار الناجمة عن هذه المنشأة
المحطة الحرارية : كما ذكرنا سابقاً تعتبر المحطة الحرارية الموجودة في بانياس من أهم المحطات الحرارية الموجودة في سورية و لكنها في المرتبة الثانية من حيث الضرر البيئي و الصحي لمدينة بانياس تقع المحطة الحرارية في الجنوب من مدينة بانياس و تبعد أقل من 2كم من مركز المدينة و تضم حوالي 2500 إلى 3000 عامل تنتج هذه المحطة الحرارية الكهرباء عن طريق النفط و الفيول و لها تأثير بيئي و صحي كبير في بانياس و بعض القرى المجاورة و لكن تأثيرها أقل من المصفاة و تتراوح الإصابة بأمراض الرئة و السرطانات حوالي 11% من عمال هذه المنشأة و هناك مشاريع و خطط واعدة بجعل هذه المحطة تعمل بالغاز و نأمل ذلك و لكن ضررها الأكبر هو تأثيرها الكبير على البحر حيث يتم تبريد الأجهزة عن طرق مياه البحر و هذا له أثر كبير على البحر و الثروة السمكية .
و على عكس ما يظن المواطن العادي فإن مدينة بانياس تعاني من إنقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي بسبب التقنين فالمواطن العادي يظن أن الكهرباء تكون مجانية في هذه المدينة كما في كل بلدان العالم و لكن المواطن يرزح تحت إنقطاع نسبي و يومي بسبب التقنين كما قلنا فهذه هي حال سكان مدينة بانياس فهم واقعين تحت تأثير المنشآت الصناعية الموجودة فيها و التي تؤثر على الهواء و البحر من جهة و تحت إنقطاع التيار الكهربائي المستمر من جهة أخرى .
هكذا قدمنا لكم هذا التحقيق الأول من نوعه في سوريا آملين من الجهات المختصة أن تسمعنا و تسارع بإتخاذ التدابير و الإجراءات اللازمة لوقف هذا الإنتهاك البيئي و الصحي المستمر تجاه سكان مدينة بانياس
واخير اتمنى لكم قراءة ممتعة
قمر الابرص